ما دمت وصلت إلى هنا.. لا ترحل دون أن تترك أثرًا

كنت أتحدث مع إحدى زميلاتي عن الكتب والقراءة، فسألتني إن كنت قرأت كتاب (السحر العظيم Big Magic) فأجبتها أنني لا أقرأ إلا كتبًا عربية، سألتني عن السبب ولكنني لم أملك سببًا مقنعًا لأشاركها به، حينها عزمت على قراءته من أجلها.. فقد بدت معجبة جدًا به.

هذا الكتاب يتحدث ببساطة عن شغف الكتابة، أو عن الشغف بشكل عام؛ ما الذي يجعلنا نركض خلفه؟ كيف نحافظ عليه؟ كيف لا نفقد نفسنا في البحث عنه؟ وأسئلة فلسفية أخرى أجابت عنها الكاتبة بطريقة بسيطة ولطيفة، وفي هذه المقالة سأتحدث عمّا استفدته شخصيًا من الكتاب.

الإبداع يسعنا جميعًا

” يدفن الكون جواهر غريبة في أعماقنا جميعًا، ثم يعود ليرى ما إذا كان بإمكاننا العثور عليها.”

قد نشعر أحيانا بأننا لسنا مبدعين، أو نغار من منافسينا وإنجازاتهم، وقد يجعلنا ذلك أشخاصا حقودين أو ناقدين بلا منطق، لكن الإبداع موجود بداخلنا جميعًا. قد يكون مختبئ الآن بداخلك كما يختبئ الألماس في الكهف، لكنه حتمًا سيظهر ويجعلك فخورًا.

” يمكنك دعم الآخرين في جهودهم الإبداعية، مع الاعتراف بحقيقة أن هناك متسعًا كبيرًا للجميع.”

قيمتك في استمرارك

” يمكنك قياس قيمتك من خلال تفانيك في طريقك، وليس من خلال نجاحاتك أو إخفاقاتك.”

قد تعمل عملا جميلا وتجتهد فيه، ولكن مردوده لا يكون كما توقعت؛ فلا تنال المكافآت المادية ولا الجوائز، وقد يصيبك ذلك بالإحباط.. بأنك لست رائعًا كما تظن، وبأن عليك التوقف عن هذا العمل لأنك فشلت فيه. لكن قيمتك وقوتك لا تكمن في نتيجة أعمالك، بل في اصرارك وعزيمتك، فحتى وإن كنت صادقًا في تلك الظنون، الاستسلام لذلك هو الفشل بحد ذاته.. نجاحك يكمن في قوتك على المضي والتطوير والانجاز.

لست مسيطرًا على الناس

” إن إدراك أن ردود أفعال الناس لا تخصك هي الطريقة العقلانية الوحيدة للإبداع. إذا كان الناس يستمتعون بما قمت بإنشائه، فهذا رائع. إذا تجاهل الناس ما قمت بإنشائه، فهذا أمر سيء للغاية. إذا أساء الناس فهم ما قمت بإنشائه، فلا تقلق.”

أعلم أن هذه النقطة صعبة جدًّا في التطبيق، فأعمالنا كلوحة رسم أو رواية هي أطفالنا اللذين نعشق ولا نسمح لأحد بوصفهم بصفات سيئة مثل؛ هذا العمل أسلوبه ضعيف، كان من الممكن مزج الألوان بطريقة أفضل، الشخصيات لم تكن عميقة… وربما حين بدأت الكتابة كنت أكتب من أجل الناس، حتى أنفعهم، حتى أمتعهم، أو حتى أسمع المديح منهم، لكن بعد هذا الكتاب تبدل الهدف لدي، وأصبحت أكتب من أجلي. لا يمكننا السيطرة على الجمهور أو على ردود أفعالهم، وإن كتبنا من أجل إرضائهم فسيكون دومًا أشخاص غير راضين عن كتاباتنا. لكن عندما نكتب لأجلنا، لأجل شخصيات الرواية، لأجل القصة، لأجل القلم.. تصبح تلك الردود مفيدة وبناءة وممتعة، وتختفي من الوجود الردود المؤلمة.

الإنجاز في الانتهاء

” رواية جيدة بما فيه الكفاية مكتوبة بعنف الآن أفضل من رواية مثالية لن تُكتب أبدًا.”

كثيرًا ما نغرق في بحر المثالية فننسى الإنجاز، نجد نفسها في النسخة العاشرة من الرواية التي عدناها من الصفر ومن ثم قذفنا في قعر القمامة وتركناها. كم من رواية بدأتها ولم أنهيها خوفا من الفشل، ظنًا بأنها ليست جيدة لما فيه الكفاية، ثم أجد نفسي بعد بضع سنين.. مازلت لم أنشر بعد. هذه النقطة التي ناقشتها الكاتبة جعلتني أعيد حساباتي، حتى في مراجعتي للرواية أصبح عملية أكثر من عاطفية، أبحث عن الأفضل بالتأكيد ولكنني أعلم جيدًا أنني كلما أردت تعديلها.. سأجد ما يستحق التعديل؛ وربما لن ننتهي أبدًا، لذا أصبحت أضع وقتًا وحدًّا معينًا حتى أنتهي وأنجز.

الشجاعة تبتلع الخوف

” يبدو لي أنه كلما قللت من محاربة خوفي، قل ما يقاومه. إذا استطعت الاسترخاء، فإن الخوف يسترخي أيضًا.”

الخوف جيدًّا إن كان دافعًا لك للتميز والابداع، ولكن إن كان كمرساة يثبتك في مكانك ولا يسمع لك بالتقدم، فعليك حينها ابتلاعه. الشجاعة تكمن في قدرتك على مواجهة خوفك وفهم أسبابه، في إيمانك بذاتك وبموهبتك التي رزقك الله بها، ربما لن تكون الشجاعة هي ما سمح لك بالكتابة، ولكنها ما سيساعدك على النشر. ويقع المبدعين خصوصا في ذلك الخوف، وقد يكون ذلك بسبب إبداعهم المدهش سابقا، فيظنون أنهم وصلوا للقمة والآن لا مجال للتقدم؛ فقط للتراجع. ولكن المهم أن تعلم، أن الخوف ليس سوا طفل شقي بداخلك، إن أحسنت تأديبه، هدأ وتركك تهدأ.

الهواية والعمل

” لكن أن تصرخ على إبداعك قائلًا: “يجب أن تكسب المال من أجلي!” يشبه الصراخ في قط؛ ليس لديه أي فكرة عما تتحدث عنه، وكل ما تفعله هو إخافته، لأنك تصدر أصواتًا عالية جدًّا ويبدو وجهك غريبًا عندما تفعل ذلك.”

عليك أن تدرك أن هوايتك ليست عملك، وعملك ليس هوايتك.. ربّما في المستقبل يمكن أن يصبح الاثنان واحدًا ولكن في البداية هما منفصلان عن بعضهما البعض. فإن كنت تعمل في وظيفة عادية ثم بعد انتهاء الدوام ترسم أو تكتب وتبيع تلك اللوحات أو المقالات أو الكتب؛ فمصدر رزقك يأتي من وظيفتك وليس منهم.. المال الذي حصلت عليه من هوايتك/إبداعك هو مبلغ رمزي جميل كمكافأة وعرفان جميل للإبداع. لذا إن كنت تعتقد أن إبداعك مجبر على إطعامك، فسيمل منك ويرحل، لأنه حر لطيف لا يحب الضغوط النفسية.

احتضن فشلك

” اعترف بخيبة أملك، وانظر إلى حقيقتها، ثمّ امض قدمًا.”

أسوأ ما قد يصيب كل مبدع هو معرفته أن عمله ذاك لم يكن مبدعًا. هذا الإحساس بالفشل وخيبة الأمل قد يجعل البعض يستسلم ويترك تلك الهواية ويرحل، ولكن العاشق الشغوف بحق لا يستطيع الرحيل. لذا رؤيتك لملامح تلك الخيبة، لأسبابها وطرق تلاشيها في المستقبل، لن يكون دافعًا لك للرحيل، بل محفزًا لك للبقاء والتطور والاستمرار. لا تعامل قلبك وقلمك كالطفل الصغير وتمدحه حتى حين لا يستحق المدح، بل صادقا واضحا معه.. امدحه عندما يستحق المدح، وواجهّ عندما يستحق ذلك أيضًا.

تكرار الأفكار

” ربما تم القيام به من قبل، لكنك لم تقم به بعد!”

نخاف كثيرًا من تكرار الأفكار، من أن يقول عنّا الآخرون؛ هذه ليست فكرة جديدة، قد تحدث عنها ذلك الكاتب من قبل. ولكن لكل كاتب أسلوبه وطريقته، ولكل منهم ابداعه الذي يمزيه عن غيره.. قد تتشابه بعض الأفكار، قد تتكرر بعض المواقف في الرواية مثلا، قد تقول تشبيها ورد على لسان كاتب آخر، وقد يكون ذلك مقصودا أو غير مقصود. كن لطيفًا صادقا مع نفسك، ولا تخف من التكرار إن كنت تستطيع إضافة شيء للقارئ.

للفكرة روح توّاقة

“أن الأفكار حية، وأن الأفكار تبحث عن أكثر البشريين المتاحين تعاونًا، وأن الأفكار لديها إرادة ووعي، وأن الأفكار تنتقل من روح إلى روح، وأن الأفكار ستحاول دائمًا البحث عن القناة الأسرع والأكثر فاعلية إلى الأرض (تمامًا مثلما يفعل البرق).”

هذه الجملة من أكثر الجمل اتصالا بروحي، اقتنعت تماما بها وربما لأنني أملك تجربة خاصة كانت مشابهة لتلك النقطة. وردت لي فكرة وأنا في الثانوية لرواية، ولكنني انشغلت بالدراسة والتخرج فلم أكتبها، ثم دخلت الجامعة ومازلت لم أكتبها، وفجأة وبعد مرور عامين على تلك الفكرة، صدر فيلم من هوليوود بنفس الفكرة إلى أدق التفاصيل! لم يصدقني إلا من حكيت لهم سابقًا عنها، وكل ماكنت أفكر به هو (كيف؟ كيف خطرت لديهم نفس الفكرة بنفس التفاصيل؟). لذلك يملاني هاجس دائما بأن تتركني أفكاري وترحل إن أهملتها.. أن أجد شخصًا آخر يسرق الحروف من بين يدي ويكتبها لأنني كنت بطيئة ولم أستطع الإنجاز. هذه المقولة جعلتني بالمختصر أكثر التزامًا بأفكاري.

“الأفكار مدفوعة بدافع واحد: أن تكون جليّة.”

الختام

قرأت هذا الكتاب وانتهيت منه في أسبوعين، والنقاط التي وضعتها هنا هي ما استفدته أنا من الكتاب ولا يتضمن جميع محتوياته. إن كانت النقاط هذه ملفتة لك وأردت الاستمتاع بها أكثر، تستطيع شراء الكتاب من مكتبة جرير أو فيرجن أو أمازون، هو كتاب ممتع يستحق القراءة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *