كثير ما سمعت جملًا كهذه؛ كلما تضايقت من أمر حدث خارج إرادتي، كلما تمنيت أمرًا ولم أدركه، كلما جرح مشاعري شخصٌ ما، وكلما أُحبطت.. تُقال جملًا بائسة لي بمعنى “تجاهلي وامضي”. إلا أنني لم أطبق أيًّا منها يومًا ما، لم تكن واضحة أو سهلة، كيف أتجاهل ما حدث؟ كيف أمنع الشعور بالغضب ألا يتسلل داخلي؟ كيف لا أترك أبسط الأمور تؤثر بي؟ حتى قرأت كتاب غيّر من أسلوبي وأثمر شخصيتي بشكل ملحوظ. كتاب “فنّ اللّامبالاة” بنسخته الإنجليزية الأصلية.
أكثر ما أعجبني في الكتاب هو أسلوب الكاتب السهل المباشر، وكأنه صديقك يجلس معك ويتحدّث، بكل بساطة وطبيعية؛ ما بين فلسفة ونصح وفضفضة. مقالي عن هذا الكتاب لن يحتوي على الكثير من التفاصيل (أريدكم أن تقرؤوه وبنسخته الإنجليزية إن أمكن)، ولكنه سيحتوي على أبرز النقاط الملفتة التي غيرتني فعلا.
بحثك عن السعادة يدفعك نحو التعاسة
أحيانا ننشغل ببحثنا عن السعادة عن حياتنا التي نعيشها الآن، فيبقى هاجسها واقفًا في كل لحظة في حياتنا متململًا هامسًا بأن مانحن فيه من الهدوء أو الروتين ليس كافيًا أبدًا. وما جَدّ عليّ حقيقة هي تلك النظرة؛ أننا لو انتظرنا شيئًا لن نرى غيره، ولن نشعر بالنعم التي في حياتنا ظنًّا منّا أنّنا مازلنا بحاجة للمزيد. وكل الحوارات والكتب التي تتحدث عن السعادة ماهي (في نظره) إلا وهمًا يجلب التعاسة. مما يأخذنا للنقطة التالية..
المشاكل نكهة الحياة
حين نبحث عن السعادة باستمرار، ونرى المشاكل بابًا للتعاسة والبؤس، ننسى أنّنا لولا المشاكل لما تشاركنا وجهات النظر، ولولا المشاكل لما شعرنا بكبر النعم، ولولا المشاكل لما شعرنا بالاكتفاء عندما وجدنا الحل وانتهت. كما أنّ الألم والمعاناة يجعلوننا أقوى، وربما تشابهت قناعات الكاتب بكتاب “الهشاشة النفسية” في هذه النقطة، وهي أن الأشخاص المرنين نفسيًّا تنضج مرونتهم هذه من معاناة سابقة حدثت لهم جعلتهم أقوى في مواجهة الصعاب.
أنت إنسان مثلي.. لستَ مميزًا
فصل في كتاب فتح على آمالي الشخصية الباب، اغتال قسوتي على نفسي للمضي قدمًا، وهدّأ من روعي بأنّ علي فعل المزيد.. بأنني مميزة وعلى الجميع الاعتراف بقوّتي وتميّزي. نعم، ربّما أنا مميّزة في أمرٍ ما، لكنّني لست مميّزة في كلّ شيء. علينا الرضا بأنفسنا وألّا نقسو عليها بأن نجبرها أن تكون الأفضل في كل شيء.. أفضل طباخة، وأفضل أم، وأفضل صديقة، وأفضل ابنة، وأفضل أخت، وأفضل زوجة، وأفضل مديرة، وغيرها من الأدوار التي نكابر في مثاليّتِنا فيها، فنريد أن نكون دائمًا الأفضل في كل شيء. إلّا أنّ السؤال المهم؛ إن كنت أنت الأفضل، وأنا الأفضل… فأين إذًا المنطق؟ المفيد هو أنّنا بشر، النادر منّا متميّز، وباقي البشر رائعين فقط كما هم.
يأتي الابتلاء من أصول قيمنا
من أجمل الفصول هو هذا الفصل الواقعي جدًّا، والمؤلم جدًّا أيضًا. تحدثنا عن المشاكل ودورها في أن ترينا النعم، ولكن الابتلاء فعلًا يجعلنا نرى الأمور السابقة صغيرةً جدًّا، فيوسع من مداركنا لما نملك ومالا نملك، ولكن ما المقصود بأن الابتلاء يأتي من قيمنا؟ يخبرنا الكاتب أن معرفتنا لقيمنا وتحديدنا لها يجعل الابتلاءات التي تصيبنا أكثر وضوحًا ومنطقًا. فمثلًا؛ إن كانت المادّة أعلى قيمنا وتفسيرًا لنجاحنا، فإننا سنرى فشل المشروع أو الوظيفة ابتلاء. بينما لو أن قيمتنا الأعلى هي المسؤولية، وصادفنا نفس الموقف من فشل مشاريع، فإنّنا لن نراه ابتلاءً بل سنرى أن هناك خللا في المشروع علينا إيجاده وحله. الأولى صادفنا ابتلاء، والثانية مشكلة ولها حل.
لست منزلا من السماء لتكون دائما على صواب
بالمختصر؛ علينا أن نفتح عقولنا نحو احتمالية خطأنا. ما أن نفعل ذلك، ستبدو الحياة أسهل، والمنطق أقوى، وقدرتنا على التأقلم والتغيير نحو الأفضل أسهل وأبسط.
تعوّد أن ترفض، وتتعرض للرفض
كثيرا ما شاهدنا أفلاما تتحدث عن الأشخاص الغير قادرين على الرفض، والذين تقتلهم كلمة “لا”. ولكن الراحة النفسية تأتي من راحتك في اتخاذ القرار، من قدرتك على رفض طلبات الآخرين إن لم تكن مناسبة لك، وتقبلك لرفضهم لطلباتك إن لم تناسبهم. العلاقات التي تستطيع تحمل هذه النقطة هي علاقات قوية، وغالبا ما تكون دائمة، لأن كلا الشخصين متقبلا للآخر ولنفسيته، ومتقبلا لاختلافه ورغباته؟
ما هو أسوأ شيء ممكن حدوثه؟
النقطة الأخيرة هي هذه القناعة، ما هو أسوأ شيء ممكن أن يحدث لك إن اتخذت هذا القرار؟ أصبحت أسأل نفسي دائمًا هذا السؤال، ما أسوأ شيء ممكن أن يحدث إن لم أنل تلك الجائزة؟ إن لم أنهي تلك الرواية؟ إن لم أصل للقمة؟ والجميل هو الإجابة الحقيقية.. عندها تعرف قيمك الأساسية وتستطيع العمل عليها. رغم أن السؤال يأتي من اللامبالاة، إلا أنه يزيد من الشجاعة والإقدام، غالبا ما أسأله لنفسي عندما أخاف من الفشل، أو من حكم الآخرين على قراراتي.. وما أن أسأله لنفسي، أفوق من غيبوبة المثالية، وأتخذ القرار، وأقدم على الخير إن كتبه الله لي.
في النهاية، الكتاب لا يحدث عن التبلد، بل عن اللامبالاة للأمور الغير مهمة، والأمور التي لا تستطيع السيطرة عليها، وألا تربط سعادتك بفعل يقوم به الآخرين. بل كن وجيبا لأهلك، كن طيبا مع الخلق، كن مؤدبا ومحترما، لكن لا تكن شخصا آخر باحثا عن رضا الآخرين وليس رضاك عن نفسك.
اقتباسات:
الرغبة في الحصول على تجربة أكثر إيجابية هي في حد ذاتها تجربة سلبية
عندما تبالي لأمور أفضل، تحصل على مشاكل أفضل، وعندما تصادفك مشاكل أفضل، تحصل على حياة أفضل.
قيمنا هي فرضياتنا: هذا السلوك جيد ومهم؛ هذا السلوك الآخر ليس كذلك. أفعالنا هي التجارب؛ العواطف الناتجة وأنماط التفكير هي بياناتنا
أن تكون مخطئًا يفتح أمامك احتمالية التغيير
اختر أن تقيس نفسك ليس كنجم صاعد أو عبقري غير مكتشف. بدلاً من ذلك، قم بقياس نفسك من خلال المزيد من الهويات العادية: طالب، أو شريك، أو صديق، أو مبتكر.
مثلما يجب أن يعاني المرء من آلام جسدية لبناء عظام وعضلات أقوى ، يجب أن يعاني من ألم عاطفي لتطوير مرونة عاطفية أكبر
الصراع ليس طبيعيا فقط. إنه أمر ضروري للغاية للحفاظ على علاقة صحية