ما دمت وصلت إلى هنا.. لا ترحل دون أن تترك أثرًا

لماذا نستمر في الكتابة؟ أو لماذا نستمر في أي عمل آخر؟ ما الذي يجعلنا قادرين على المثابرة ودفع المزيد من المجهود والقوة؟ هذا ما سنناقشه في هذا المقال مع خطوات بسيطة وواضحة ستساعدنا على الاستمرار والإنجاز.

كل منا مختلف بطبعه؛ فالمحفزات التي تستطيع إيقاظ الإبداع بداخلك تختلف عن تلك التي تحثّ غيرك على الاستمرار. لكن من الممكن أيضًا أن نتشابه في بعض من المحفزات، والتي نستطيع أن نختصرها في أربعة أنواع:

  1. الشغف والحب: بعض الأشخاص يعتبر العمل أو الهواية هو المتنفّس الخاص بهم، وكأن هذا العمل هو الطعام أو الشراب بالنسبة لهم. وعادة ما يكون هذا المحفز الأساسي للفنانين والمبدعين؛ وما الكتابة إلا نوع من أنواع الفن والإبداع.
  2. الطاقة المستمدة: بعض الأشخاص يتحفز بالطاقة التي يستمدها من الحماس أو الإحساس بالإنجاز، أو الطاقة الإيجابية العظيمة التي ينتجها له هذا العمل. أي أن شعورهم بالاكتفاء والشبع والفخر بعد إنتاج عمل ما هو مشجّعهم الأساسي للاستمرار.
  3. المخرجات المستفادة: المخرجات المعنوية أو المادية لهذا النوع من الأشخاص هي المحفز الأساسي لهم، فكلما شاهدوا المخرجات التي انتجوها ونفعها عليهم من جوائز أو فوز أو إطراء أو نفعها على الآخرين من إصلاح أو تشجيع أو تطوير؛ كان ذلك حافزًا لهم لعمل المزيد.
  4. النظام: النظام أو الروتين لبعض من الشخصيات هو ما يشعرهم بالثبات والاستمرارية، لذا كلما كان النظام أمامهم ثابتًا، والنقاط متتالية، والخطوات واضحة، استطاع هؤلاء الأشخاص الالتزام والعمل بشكل ثابت ومستمر.

معرفتك لأي الأنواع أنت، وأي المحفزات أنسب لك، تساعدك على الاستمرار والإبداع أيًّا كان العمل الذي تقوم به. وقد تختلف أيضًا محفزاتك باختلاف الدافع؛ فقد يكون محفّزك للعمل مثلًا النظام، بينما للهواية كالكتابة يكون الشغف والحب. لكن الخطوات التالية والتي قد تصبح مرجعًا لكم للاستمرار في الكتابة هي النوع الرابع من أنواع التحفيز وهو “التحفيز بالنظام”، وذلك لأنه النوع الأسهل للتخطيط والاتّباع:

  1. حدّد هدفك؛ لماذا تكتب؟ ما هو دافعك الأساسي للكتابة؟ لماذا اخترت أن تُصنف “كاتبًا” دونًا عن باقي الأعمال أو الهوايات. عندما تستطيع الإجابة على هذا السؤال، وهدفك الكبير من الكتابة يصبح واضحًا، ستستطيع حينها تصغير ذلك الهدف لهدف محدد صغير وقصير وهو؛ ماذا ستكتب الآن؟ قصة؟ رواية؟ مقالة؟ إن كانت مقالة فعن ماذا ستكون؟ تسويقية؟ اجتماعية؟ ومن ثم لماذا ذلك النوع؟ ماذا سيكون الموضوع؟ لماذا ستكتب عن هذا الموضوع بالتحديد؟ وكلّما صغر الهدف وأصبح أكثر تحديدًا ووضوحًا، كلّما صار أسهل عليك اتباعه وانجازه.
  2. اصقل إرادتك؛ واجه نفسك وكن واضحًا معها، لأنّك إن لم تجد إرادتك ستسقط من أوّل عثرة، أو عندما تشعر بالملل، أو عندما تنشغل بأمور أخرى. إن كانت إرادتك حقًا في الكتابة، إذًا ستصبح الكتابة من أولوياتك، وبذلك جملة “لم أكتب لأنني كنت مشغولًا” ستختفي من قاموسك.
  3. اعزل قلمك؛ حتى تستمر في الكتابة أو العمل من المنزل أو هوايتك، عليك أن تجعل لهم مكانًا محددًا منعزلًا عن المُلهيات الأخرى. يجب أن تشعر بالجديّة اتجاه عملك/كتابتك، لذا مكان الراحة لا يصلح أن يكون نفس مكان العمل؛ فغرفة نومك أو تليفزيونك يجب أن تكون أماكن للراحة، بينما غرفة أخرى تكون مخصصة للعمل. وإن كانت الغرفة الخاصة أمرًا صعبًا، اجعلها زاوية للعمل، أو حتى مقعد مخصص للعمل في أي مكان في المنزل؛ فتغييّر المكان بحد ذاته من أجل العمل، يعزّز الإحساس بالمسؤولية والاستمرار. ملاحظة: احرص أن يكون المكان مريحًا حتى تستطيع الجلوس فيه لفترة طويلة.
  4. خصص وقتك؛ خصص وقتًا وكمًّا معينًّا للكتابة، فتحديد عددًا معينًا من الساعات للعمل يوميًّا (ساعتين أو ثلاث) أو فترة زمنية مخصصة للعمل (من الساعة 3 إلى الساعة 5) أو حتى كمًّا معينًا من الكتابة يوميًّا (ثلاث صفحات في اليوم) أو (مقالًا في اليوم) سيساعدك على الإنجاز بشكل يومي ثابت. بالنسبة لي؛ تخصيص وقت أو فترة زمنية معينة لا يناسبني، فالنوع الأول من أنواع التحفيز (الشغف والحب) هو المحفّز الأنسب لي، قد أصاب بحمى الكتابة ليلًا أو نهارًا، ساعة أو خمس ساعات في اليوم، لذا كان من الأنسب لي تخصيص كمّ معين من الكتابة يوميًّا حتى أستطيع الالتزام به وهو (كتابة صفحة يوميًّا سواءً في الرواية أو المقالات).
  5. ارح عقلك؛ الاسترخاء والهدوء واللطف مع الذات من أحد الأسباب الأساسية للاستمرار في النظام. إن شعرت وأنت تكتب أن عقلك مقفل محكم، فاترك القلم وقف، لأنّ العقل أحيانًا يكون بحاجة للراحة. لذا افعل شيئًا ممتعًا ومن الممكن أيضًا أن يكون محفزًا لخلايا عقلك؛ كالمشي، أو مشاهدة التلفاز، أو الاستحمام، أو القراءة. ما أقوم به عادةً عندما يهرب من بين يدي الالهام، هو أخذ قيلولة لإعادة شحن الطاقة، أو قراءة كتاب ذو أسلوب أدبي لطيف، وتلك الأفعال البسيطة من المتعة والاسترخاء تساعدني كثيرًا وتفتح أقفال عقلي وإبداعي فأستطيع حينها انتاج أفكار جديدة.
  6. اطلق أفكارك؛ اترك أفكارك تتدفق ولا تقطعها بحثًا عن مرادف أجمل أو تعبير مناسب أو تأكيد معلومة أو تصحيح إملاء. لأنّ حبل الأفكار إن قُطع، يصعب عليك ربطه مجددًا. اترك أفكارك تجري كالنهر بلا توقف، وعندما تنتهي من سيلها اترك ما كتبت وابتعد؛ بعد قسطك من الراحة يمكنك العودة لها وتصحيح كل ما أردت تصحيحه سابقًا.
  7. عش اللحظة؛ فكر فيما بين يديك الآن، في هذه اللحظة، في المقال الذي تكتبه الآن، لا تفكر في أمور أخرى ولا تشغل نفسك بالتفاصيل. فمثلًا؛ ينشغل البعض بالعنوان والمقالة مازالت تحت الإنشاء، أو فيما سيكتب غدًا وهو لم ينتهي من كتابة اليوم، أو في فلسفة حياتية عميقة لا تمد بصلة للكتابة المستلقية بين يديه. حاول السيطرة على تركيزك وامسكه بيدك، ركّز في المتعة المتمثلة بين يديك واستمتع بها.
  8. جد داعمك؛ أي نعم بعض الأشخاص يستطيعون الاستمرار دون داعم وهم قادرون على دعم نفسهم بنفسهم – وهذه قدرة مميزة لا يمتلكها الكثير-، لكننا -نحن الأشخاص العاديون- بحاجة دائمًا لدعم نستمده من الآخرين؛ سواءً كان من الأهل أو الأصدقاء أو الزملاء أو المتشابهين معنا في الهواية أو العمل. ابدأ بالدعم أنت وعبّر عن رأيك وإعجابك بالآخرين، وسيعود لك هذا الخير بخير مثله وربّما أفضل.
  9. كافئ نفسك؛ كافئ نفسك على إنجازاتك وإن كانت بسيطة، ربما تكافئ نفسك على إنجازك للهدف الذي حددته في أول خطوة. المكافأة لا يستدعي أن تكون كبيرة، قد تكون بسيطة جدًّا؛ كحلوى اشتهيتها أو خرجة جميلة مع الأصدقاء. المكافأة بشكل بسيط تساعدك على الاستمرارية في أي عمل، لأنها ترسل رسائل مبطنة لعقلك بأن هذا العمل جميل وينتهي بشيء جميل، فعندما تعيد هذا العمل يكون عقلك متحمّسًا ومتشوّقًا للقيام به بحثًا عن الجائزة.

وبعدما انتهينا من الخطوات البسيطة التسعة السابقة، تذكر أنّك عندما تعرف هدفك الأساسي من أي عمل، حينها فقط ستتمكن من الاستمرار. لذلك اسأل نفسك الآن، لماذا تكتب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *