هل شعرت يومًا أنك تغرق في صندوق ضيق، صندوق ربما نسجته بأوهامك أو ربما صنعه الآخرون لك؟ ذلك الصندوق الذي وُجد لحمايتك من مخاطر الدنيا ولإبقاء “جنونك” تحت الحراسة المشددة. نعم، جنونك! ذاك الذي يراه البعض رذيلة ويراه آخرون إبداعًا مقلقًا. سيظنون أنك كاذب محترف! فقد اعتدت منذ طفولتك على نسج القصص كالعنكبوت الذي يبني شبكته، لكن المفارقة تكمن في أنك لطالما ادعيت كره الكذب، بل وجعلت من الصدق راية تلوح بها في سماء أخلاقك!
والإجابة؟ بسيطة. بعض الأذهان ممتلئة بالقصص حتى التخمة، فإذا ما تجرؤوا على سردها في المجالس كحقائق، باتوا في نظر الناس كاذبين مخضرمين. لكن إذا وجدوا الوقت ليعتنوا بتلك القصص كفنان يبدع في لوحته، ويرتبوها كالساحر الذي يخفي سره عن أعين المتفرجين، ويحبكوها على الورق كحكايات، أصبحوا حينها كتّابًا مرموقين، لا كاذبين ماهرين.
رأيت أمهات كثيرات في مسرح الحياة، يحاولن جاهدات إسكات “كذب” أبنائهن وكأنهن يروضن تنانين برية، في حين أن هؤلاء الأطفال لم يحتاجوا إلا لفرصة توجيه هذا الخيال الجموح نحو عالم الكتابة. فليس كل كاذب هو كاذب بالفعل، بعضهم روائيون في ثياب طفولية، وأفضل الكتّاب هم أولئك الذين ينسجون الأكاذيب بحنكة تجعلك تصدقها.
لذا، إذا كنت تشعر أنك محبوس في صندوق من قيمٍ صنعها المجتمع، وتود التخلص من وصمة “الكذب”، أقول لك: اكسر ذاك الصندوق، وابدأ بكتابة أكاذيبك الرائعة! حينها لن تحتاج أن تخفي خيالك في المجالس مرة أخرى؛ دع كلماتك تتحرر على الورق، وستكتشف أن العالم قد بات يصفق لجنونك وكذبك بدلًا من انتقادك.
أخبروني أيها الرفقة، من منكم يرى نفسه كاذبًا مجنونًا لحاجة للعلاج؟